فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

فإن قلت: كيف قالوا: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} بعد إيمانهم وإخلاصهم؟
قلت: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه قوله: {إِذَ قَالُواْ} فآذن إنّ دعواهم كانت باطلة، وإنهم كانوا شاكين، وقوله: {هل يستطيع ربك} كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه: اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة.
وقرئ: {هل تستطيع ربك}، أي هل تستطيع سؤال ربك، والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله. اهـ.

.قال البيضاوي:

{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السماء} لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة. وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإِرادة لا على ما تقتضيه القدرة. وقيل المعنى هل يطيع ربك أي هل يجيبك، واستطاع بمعنى أطاع كاستجاب وأجاب. وقرأ الكسائي {تستطيع ربك} أي سؤال ربك، والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف. اهـ.

.قال النسفي:

{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} هل يفعل أو هل يطيعك ربك إن سألته، فاستطاع وأطاع بمعنى كاستجاب وأجاب. اهـ.

.قال الثعلبي:

قرأ علي وعائشة وابن عباس وابن جبير ومجاهد: هل تستطيع بالتاء، ربك بنصب الباء، وهو اختيار الكسائي وأبي عبيد على معنى هل تستطيع أن تدعو ربّك كقوله: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] وقالوا: لأن الحواريين لم يكونوا شاكّين في قدرة اللّه تعالى. وقرأ الباقون بالياء قيل: يستطيع ربك برفع الباء فقالوا: إنهم لم يشكوا في قدرة اللّه تعالى وإنما معناه هل ينزل أم لا كما يقول الرجل لصاحبه: هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنّه يستطيع وإنّما يريد هل يفعل أم لا، وأجراه بعضهم على الظاهر، فقالوا: غلط قوم وكانوا مشوا، فقال لهم عيسى عند الغلط استعظامًا لقولهم: هل يستطيع ربك {اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} أي أن تشكوا في قدرة اللّه تعالى أو تنسبوه إلى عجز أو نقصان ولستم بمؤمنين. اهـ.

.قال الماوردي:

قرأ الكسائي وحده {هل تَّستطيع ربَّك} بالتاء والإِدغام، وربك بالنصب، وفيها وجهان:
أحدهما: معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله، قاله الزجاج.
والثاني: هل تستطيع أن تسأل ربك، قاله مجاهد، وعائشة.
وقرأ الباقون {هل يستطيع ربك} بالياء والإِظهار، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه:
أحدها: هل يقدر ربك، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى.
والثاني: معناه هل يفعل ربك، قاله الحسن، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم.
والثالث: معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك.
{أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ} قاله السدي. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

هذا استفهام عن الفعل لا عن القدرة كما يقول الفقير للغنى: هل تقدر أن تعطينى شيئا؟ وهذه تسمى استطاعة المطاوعة لا استطاعة القدرة.
فإن قيل: لو كان المراد هذا المعنى لما أنكر عليهم عيسى عليه السلام بقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
قلنا: إنكاره عليهم إنما كان لأنهم أتو بلفظ يحمل المعنى الذي لا يليق بالمؤمن المخلص إرادته وإن كانوا لم يريدوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقرأ جمهور الناس {هل يستطيع ربُّك} بالياء ورفع الباء من ربك. وهي قراءة السبعة حاشا الكسائي، وهذا ليس لأنهم شكوا في قدرة الله على هذا الأمر كامنة بمعنى هل يفعل تعالى هذا وهل تقع منه إجابة إليه؟ وهذا كما قال لعبد الله بن زيد هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فالمعنى هل يخف عليك وهل تفعله؟ أما أن في اللفظة بشاعة بسببها قال عيسى {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} وبسببها مال فريق من الصحابة وغيرهم إلى غير هذه القراءة فقرأ علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير {هل تستطيع ربَّك} بالتاء ونصب الباء من ربك. المعنى هل تستطيع أن تسأل ربك؟ قالت عائشة رضي الله عنها: كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك.
قال القاضي ابو محمد: نزهتهم عائشة عن بشاعة اللفظ وإلا فليس يلزمهم منه جهل بالله تعالى على ما قد تبين آنفًا. وبمثل هذه القراءة قرأ الكسائي وزاد أنه أدغم اللام في التاء. قال أبو علي: وذلك حسن، و{أن} في قوله: {أن ينزل} على هذه القراءة متعلقة بالمصدر المحذوف الذي هو سؤال. و{أن} مفعول به إذ هو في حكم المذكور في اللفظ وإن كان محذوفًا منه إذ لا يتم المعنى إلا به.
قال القاضي أبو محمد: وقد يمكن أن يستغنى عن تقدير سؤال على أن يكون المعنى هل يستطيع أن يكون المعنى هل يستطيع أن ينزل ربك بدعائك أو بأثرتك عنده ونحوه هذا، فيردك المعنى ولابد إلى مقدر يدل عليه ما ذكر من اللفظ، و«المائدة» فاعلة من ماد إذا تحرك، هذا قول الزجّاج أو من ماد إذا ماد وأطعم كما قال رؤبة:
تهدى رؤوس المترفين الأنداد ** إلى أمير المؤمنين الممتاد

أي الذي يستطعم ويمتاد منه، وقول عيسى عليه السلام {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} تقرير لهم كما تقول افعل كذا وكذا إن كنت رجلًا، ولا خلاف أحفظه في أن الحواريين كانوا مؤمنين، وهذا هو ظاهر الآية، وقال قوم قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى ويظهر من قوله عليه السلام {اتقوا الله} إنكار لقولهم ذلك، وذلك على قراءة من قرأ «يستطيع» بالياء من أسفل متوجه على أمرين: أحدهما: بشاعة اللفظ، والآخر إنكار طلب الآيات والتعرض إلى سخط الله بها والنبوات ليست مبنية على أن تتعنت وأما على القراءة الأخرى فلم ينكر عليهم إلا الاقتراح وقلة طمأنينتهم إلى ما قد ظهر من آياته.
فلما خاطبهم عليه السلام بهذه المقالة صرحوا بالمذاهب التي حملتهم على طلب المائدة، فقالوا: نريد أن نأكل منها فنشرف في العالم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وقرأ الكسائي: {هل تستطيع} بالتاء، ونصْب الرب.
قال الفراء: معناه: هل تقدر أن تسأل ربك.
قال ابن الأنباري: ولا يجوز لأحدٍ أن يتوهم أن الحواريين شكُّوا في قدرة الله، وإِنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي، وهو يعلم أنه مستطيع، ولكنّه يريد: هل يسهل عليك.
وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إِيّاه.
وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إِيمانهم ومعرفتهم، فردَّ عليهم عيسى بقوله: اتقوا الله، أن تنسبوه إِلى عجز، والأول أصح. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك}.
قال المفسرون: هذا على المجاز ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الحواريين أنهم شكَّوا في قدرة الله تعالى لكنه كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع أن تقوم معي؟ مع علمه بأنه يقدر على القيام وإنما قصد بقوله هل تستطيع هل يسهل عليك وهل يخف أن تقوم معي فكذلك.
معنى الآية: لأن الحواريين كانوا مؤمنين عارفين بالله عز وجل ومعترفين بكمال قدرته وإنما قالوا ذلك ليحصل لهم مزيد الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي.
ولا شك أن مشاهدة هذه الآية العظيمة تورث مزيد الطمأنينة في القلب ولهذا السبب قالوا وتطمئن قلوبنا وقال بعضهم هو على ظاهره.
وقال: غلط القوم وقالوا ذلك قبل استحكام الإيمان والمعرفة في قلوبهم وكانوا بشرًا فقالوا هذه المقالة فرد الله عليهم عند غلطهم بقوله: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقرأ الجمهور {هل يستطيع ربك} بالياء وضم الباء.
وهذا اللفظ يقتضي ظاهره الشك في قدرة الله تعالى على أن ينزل مائدة من السماء، وذلك هو الذي حمل الزمخشري على أن الحواريين لم يكونوا مؤمنين قال: فإن قلت: كيف قالوا {هل يستطيع ربك} بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم أتبعه قوله: {إذ قالوا} فآذن أن دعواهم كانت باطلة وأنهم كانوا شاكين وقوله: {هل يستطيع ربك} كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم ولذلك قول عيسى لهم معناه اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها.
{إن كنتم مؤمنين} إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة انتهى.
وأما غير الزمخشري من أهل التفسير فأطبقوا على أن الحواريين كانوا مؤمنين حتى قال ابن عطية: لا خلاف أحفظه في أن الحواريين كانوا مؤمنين، وقال قوم: قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى، قال المفسرون والحواريون هم خواص عيسى وكانوا مؤمنين ولم يشكوا في قدرة الله تعالى على ذلك.
قال ابن الأنباري: لا يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ وهو يعلم أنه مستطيع له، ولكنه يريد هل يسهل عليك انتهى.
وقال الفارسي: معناه هل يفعل ذلك بمسألتك إياه.
وقال الحسن لم يشكوا في قدرة الله وإنما سألوه سؤال مستخبر هل ينزل أم لا فإن كان ينزل فاسأله لنا.
قال ابن عطية هل يفعل تعالى هذا وهل يقع منه إجابة إليه كما قال لعبد الله بن زيد: هل يستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فالمعنى هل يحب ذلك وهل يفعله انتهى.
وقيل المراد من هذا الكلام استفهام أن ذلك جائز أم لا وذلك لأن أفعاله موقوفة على وجوه الحكمة فإن لم يحصل شيء من وجوه الحكمة كان الفعل ممتنعًا فإن المنافي من وجوه الحكمة كالمنافي من وجوه القدرة.